اقتحم منزلي كلص بارع بكل خفة و روية ..
تسلل الى اركان منزلي و كانه سيد الهوية ..
راح يجوب المكان يدخل من هنا .. و يتفقد هنا .. يحدث جلبة في كل مكان ..
بعثر اغراضي المرتبة ..
كسر انيتي المفضلة ..
و قرأ دفتر يومياتي المخبئة ..
ادرك ما بين السطور و أخذ يتحاور معي و كأنه طبيب نفسي يعالج مدمن خمور .. يا له من ضيف مزعج .. ترك بقايا أكله على طاولتي و لحاف نومي الذي اصبح ملوثا برائحته .. ارتشف عصير البرتقال خاصتي و ترك انفاسه على اكوابي ...
كم من مرة طردته و عاد مرة اخرى ..
كم من مرة اخرجته من منزلي و لكنه يعرف كيف يتسلل و من اصغر ثغرة ..
ذلك الضيف المزعج .. النظر اليه يؤرقني ..يضعف جسدي ..يشتت انتباهي ..رؤياه تجعل انفاسي تكاد تنشد لحنا ..معروفة انغامه ..صعبة كلماته ..اذكر مقالبه القصيرة التي تخشى مزاجي ..مزاحه الحذر من ايذاء مشاعري .. كم داعبت رعبه فلا اعرف منذ متى و لكني استمتع جدا بترهيبه ..
في حصره بين زوايا قلعتي و النيل من ضميره ..
اما المفاجأة فكانت عند رحيله .. كخطوات دخوله الخفية الصامتة رحل بكل هدوء .. وكأنه يرسم لوحة بألوان باهتة ..كأنه نسمة تتخلل ستار النافذة .. يالخفته و جُبنه .. يالغبائي و سذاجتي .. لماذا ظننت انه سيطيل مكوثه ؟ لماذا اعتدت حضوره؟.. متى صرت من يبادر؟ متى اصبحت من يغامر؟لا الومه .. له كل الحق في ان يغادر .. فقد تعب من صراخي .. و ملل من ضجري .. سئم مزاجي و لم تعد تهمه كتاباتي .. لذلك رحل ..
و لكنه أبله ..
لماذا كان عليه ان يترك اغراضه ..
لم ينظف مكانه ..
ترك كل شي و رحل .. و كانه لم يرحل .. لا ازال اشتم رائحته الزاهية في كل مكان .. نقوشه و خرابيشه على كل الحيطان .. انه المعنى الحقيقي للاستيطان ..ما الذي رحل فيك ايها الضيف المزعج .. لا زلت هنا ... لازلت مقتحما للمكان .. و كانه لك و انا مجرد سائح يزوره للاستجمام .. ذلك المكان الذي اصبح ينبض بضحكاتك .. تملئه اسرارك قصصك و حكياتك .....ها هي تبروز كل الحيطان .. و تلك مشاكلك متراكمة في الاركان .. اظن ان الوقت قد حان .. على ان اترك منزلي الذي يعج بذكرياتك .. صوتك و همساتك .. مليئ بما فعلناه سويا ..
مليئ بما فعلتُه لاجلك و ما فعلتَه لأجلي ..
مليئ بذكرى اخترعت تفاصيلها بنفسي ..
عشتُ نشوتها لوحدي ..
تلذذت دفئها و انت لا تدري ..
.. اما ما خلّفته فقد كان كافيا لسحري ... لأعيش اسبوعا و شهرا و دهرا و انا في غنى عن ان استبدلك او اجعل غيرك ضيفي .. يا لك من ضيف مزعج .. حتى بعد رحيلك .. لازلت تتسلل و تلهو في قلبي ....
No comments:
Post a Comment