Saturday, December 20, 2014

اخي ذو الثمانية عشر عام ...

كنت في الرابعة من عمري .. عندما دقت تلك الذكرى بابي ... كنت صغيرة جدا ... لم افهم شيئا ... كنت العب بمكعباتي .. بناء أطول مبنى منها كان كل ما يهمني ... هناك العديد من الضيوف في منزلنا اليوم .. هذا ليس من عادة أهلي .. فنادرا ما يزورنا ناس بهذه الكثرة ... ها هو يدخل ... بطلي الهمام .. ها هو أخي ذو الثمانية عشر عام ... طويل القامة .. عريض الأكتاف .. كان يبدو أضخم من أي شيء حوله ..  كل شيء كان يبدو كبيرا في ذلك الوقت .. ربما لان جسدي كان في الرابعة من عمره ... ها هو ينظر إلى .. أمد يداي إليه .. ظننت انه يريد أن يرفعني عاليا كعادته .. فكلما كان يراني كان يأخذني و يلقي بي إلى السماء .. كان أجمل شعور في الكون .. و لكن هذه المرة لم يأخذني ... لم يمسك بيدي .. بل تخطاني .." أخي .. ألن نلعب لعبة الطائرة ؟ " التفت لأخبره بذلك .. و لكنه كان يسلم على جارنا و يأخذه بالأحضان .. عدت إلى مكعباتي .. و استمر هو في الترحيب بالضيوف و أخذهم بالأحضان .. و بعد وقت ليس بطويل .. بدء الضيوف بالرحيل .. و البيت أصبح يسوده الصمت .. بالرغم من صغري سني .. شعرت بان هناك شيئا غريبا .. دخل أخي إلى غرفته و خرج منها حاملا حقيبة ضخمة .. بعد ذلك اليوم عرفت بأن هذه الحقائب تحمل أشخاصا معها و ترحل بعيدا ... جميع أفراد أسرتي تعلو وجوههم ملامح غريبة .. بدو لي كالغرباء .. لم اعتد أن أرى وجوها بهذا الاستياء .. بعد ذلك اليوم عرفت بأنها وجوه من يقول الوداع .. خرج أخي من غرفته حاملا معه تلك الحقيبة .. لحقته أمي ثم تبعها أبي ... " واو أخي رائع جدا .. لقد استطاع إن يحمل ذلك الشيء الضخم بمفرده !! "  كنت انبهر بكل شيء يفعله .. نظرت اختي الي  ثم أمسكت بيدي ... " ملاذ .. أتعلمين لماذا زارنا الجيران اليوم ؟ ." كنت انظر إلى يدها الدافئة و اتسائل لماذا تمسكني بهذه القوة .. " إن أخي سيسافر و لن يعود مرة أخرى  يا ملاذ.. "  نظرت إليها و أمعنت النظر في عينيها .. أردت أن افهم ما يقال لي .. نظرت إلي أختي الثانية .. ثم أخي .. تحولت من طفلة إلى قارئة وجوه .. " أنتي تكذبين " و لكن كانت لهم نفس الوجوه .. تعلوهم نفس الملامح .. أعدت النظر إليهم أخذت ألاحظ أدق التغيرات .. اجلس بين بحر من المكعبات .. أراقب وجوها  لا تبتسم .. لا تقهقه .. انتظرت .. ربما سأسمع نحن نمزح .. لقد ضحكنا عليك ... و لكن لا شيء من هذا القبيل .. نهضت من كومة العاب .. أظن بان وجهي أصبح مثلهم الآن .. ركضت لارتداء حذائي .. و لكني لا اعرف كيف اربطه .. صرخت أنادي لأختي " ألبسيني حذائي !! أرجوك ! أسرعي .. " كم كنت ساذجة ... لم اعلم بان في مثل هذه الأوقات لا يهم ما يغطي أقدامي .. في مثل هذه االاوقات يجب أن اترك كل شي و اركض بأقصى سرعتي .. فتلك آخر مرة سأرى فيها حبيبي الغالي ... أختي كانت بطيئة جدا .. ندمت على عدم معرفة ربط حذائي .. ندمت على أشياء كثيرة حينها .. خرجت من الباب مسرعة ..  لم اركض بتلك السرعة من قبل .. كان صدري يؤلمني كثيرا ! أنفاسي تتضاءل و رئتاي تتخاذل جميعهم يتآمرون ضدي  .. أصبحت الرؤية ضبابية فالدموع تملئ عيناي ..  رحت ابكي .. أجهش بصوت عال ... كنت طفلة خجولة .. لم اعتد الصراخ و لفت الأنظار خاصة في الشارع .. و لكن لم اكترث لأي شيء .. كنت ائبه لشيء واحد وهو أخي .. لقد اقتربت .. ها هو ... استطيع لمسه ... مددت إليه يداي .. أردته أن يضمني إلي صدره مرة أخيره ... حدقت في وجهه .. كنت مستغربة جدا في ذلك الوقت .. لماذا لا يبكي مثلي ؟؟ اهو ليس حزين ؟؟  كان وجهه جامدا كصخرة .. انحنى قليلا و أحاطني بذارعيه الكبيرة الدافئة .. جذبني عاليا نحوه .. شعرت بيده ترتجف .. و قلبه كان يدق سريعا جدا ! طوقت أطرافي حوله .. أرحت رأسي على كتفه .. كان مريحا جدا .. ملائما جدا .. كقطعتي مكعبات مكملة لبعضها ... كم تمنيت أن نبقى هكذا إلى الأبد .. دقات قلبه كانت كأنغام طبل هائج .. و لكنني أحببت سماعها .. أخي لا يبكي .. أخي لا يذرف الدموع .. حزن أخي كان يتجسد في أيد مرتجفة و قلب يخفق بشدة ... كانت تلك آخر مرة أرى فيها أخي .. ففي ذلك اليوم .. فقدت أخي ذو الثمانية عشر عام .. لا زالت ضحكاته تجوب أركان ذاكرتي .. رائحته القوية المميزة تعبق أنفاسي .. كيف كان يداعبني وابتسامته الفريدة التي  لا تفارقني .. كلها تخلد في  ثنايا و شقوق عقلي ... لن أنساها أبدا .. أخي ذو الثمانية عشر عام لن يعود .. و لكن تلك الطفلة لا زالت تزورني بين كل فينة و أخرى .. و في كل مرة ترى طائرة تحلق في السماء .. تلوح لها بيدها .. أخي في تلك الطائرة .. أنا لا استطيع رؤيته و لكن أخر مرة سالت أمي قالت لي بأنه هناك .. يلوح لي بيده مثلما افعل أنا  الآن ... أخي .. هل تراني ؟؟؟.

No comments:

Post a Comment